التقارب المغربي-الموريتاني خطوة استراتيجية نحو الاستقرار الإقليمي والتصدي للتأثير الجزائري

حظيت الزيارة غير الرسمية التي قام بها الرئيس الموريتاني محمد الشيخ ولد الغزواني إلى المملكة المغربية باهتمام واسع داخل الأوساط السياسية في موريتانيا والمغرب، وهذه الزيارة حملت رسائل تؤكد عمق الروابط والعلاقات بين البلدين، والتي تبقى عصية على كل محاولات التشويش وإثارة الفتن، سواء كانت علنية أو سرية من طرف الجزائر والبوليساريو.
ويمكن إدراج هذه الزيارة والاستقبال الملكي الحار الذي خص به جلالة الملك محمد السادس الرئيس الموريتاني ضمن سياق دعم الموقف المغربي في النزاع المفتعل حول الصحراء الغربية، بل إنها تعكس حكمة وحنكة المغرب في سعيه لكسب الدعم الموريتاني أو على الأقل ضمان موقف حيادي منها، نظرا لأهمية موريتانيا في المعادلة الجغرافية والسياسية المتعلقة بملف الصحراء.
كما أن لدولة موريتانيا أهمية لدى المغرب تتجلى في حجم التعاون الأمني والتنسيق في مجال مكافحة الإرهاب بين البلدين، تعاون يدعم بكل تأكيد الاستقرار في المناطق الحدودية الواقعة بالصحراء المغربية، وهذا ما يضعف أي محاولات لتحركات الجماعات المدعومة من الجزائر أو البوليساريو، خاصة بعد عملية تحرير وتأمين المعبر الحدودي الدولي في منطقة الكركرات من طرف القوات المسلحة الملكية بتاريخ 13 نوفمبر2020.
لطالما سعت الجزائر إلى تعزيز نفوذها الإقليمي من خلال استغلال ملف الصحراء كورقة ضغط، تحاول الجزائر عبرها التأثير على الدولة الموريتانية سواء من بوابة تقديم دعم اقتصادي وعسكري، أو تعزيز العلاقات الدبلوماسية معها، لمواجهة أي تقارب بين المغرب وموريتانيا، ومع ذلك يبقى تأثير هذه المحاولات ضعيفا ومحدودا نظرا لقوة العلاقات والروابط التاريخية بين الجارتين الشقيقتين.
إن التعاون الاقتصادي بين المغرب وموريتانيا يمثل عاملا أساسيا في تعزيز العلاقات الثنائية، من خلال حجم مشاريع النقل والتجارة عبر الحدود بين البلدين، إلى جانب تنفيذ مشاريع لوجستية كطريق طنجة-دكار الذي يمر عبر موريتانيا، يساهم في تعزيز مكانة موريتانيا كشريك استراتيجي للمغرب، وهذا النوع من التعاون لا يدعم فقط الاستقرار الإقليمي، بل يحد أيضا من قدرة الجزائر على التأثير في السياسات الموريتانية.
والتطور الحالي في العلاقات بين المغرب وموريتانيا، لا شك سيحمل فرصا كبيرة لتعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي، ويمكن لهذا التقارب أيضا أن يدعم الجهود المغربية لحل النزاع المفتعل حول الصحراء، لكنه يتطلب إدارة حكيمة للجوانب الأمنية والسياسية والاقتصادية لضمان استدامة المكاسب، التي تحققها القيادة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس، خاصة وأن تعزيز التعاون المغربي-الموريتاني يعتبر خطوة استراتيجية لتحقيق الاستقرار الإقليمي، والتصدي للأطماع الجزائرية في هذا الجانب.
فالتقارب المغربي-الموريتاني لا يقتصر تأثيره على المنطقة فقط، بل يمتد ليعزز موقف المغرب أمام المجتمع الدولي، فانخراط موريتانيا في دعم جهود المغرب لحل النزاع حول الصحراء، وتبنيها موقفا مساندا لمبادرة الحكم الذاتي، يشكل إضافة نوعية للموقف المغربي، هذا الدعم يمثل مصدر إزعاج كبير للجزائر التي ترى في هذا التقارب تهديدا لطموحاتها.
ختاما، لا شك أن تطور العلاقات المغربية-الموريتانية يعتبر عاملا مهما في مواجهة التحديات الإقليمية، سواء تعلق الأمر بالنزاع المفتعل حول الصحراء أو بالأطماع الجزائرية، إلا أن استثماره الأمثل يظل رهينا بمدى خلق مبادرات مدنية وشعبية تساعد على الانتقال نحو مستويات أخرى أكثر تقدما في العلاقات بين الجانبين، خاصة وأن الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية باتت موطنا لاستقرار جالية موريتانية لا بأس بها.